بعد سقوط الأسد، ينظر الكاتب السوري الفلسطيني أحمد عزام إلى بلاده بعد 54 عاماً من القمع بتفاؤل الإرادة وتشاؤم العقل.
هل يوجد تعبير عن الكراهية أكثر وضوحاً من التعذيب؟ وهل يوجد أسلوب أكثر فعالية لترسيخ الخوف والذعر أكثر من التعذيب؟ وهل هناك وسيلة لجعل الناس يفكرون بطريقة محددة سوى التعذيب؟
لقد استطاعت دولة البعث الأسدية أن تخلق ما يسميه عالم الاجتماع الالماني “إريك فروم” “ضمير السلطة” داخل المجتمع السوري، هذا الضمير الذي يتفاعل مع كل ما هو استغلالي وخانع وذو نوازع عدوانية وانهزامية داخل الانسان؛ ولقد وظفت الدولة لخدمة هذا الضمير التلسطي مئات السجون والأفرع الأمنية والآلاف من المخبرين لكتابة التقارير الأمنية بحق أي أحد ممن يُتصور أنه ارتكب فعلاً لا يناسب الطريقة الشمولية التي حددتها الدولة للتفكير.وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان مجرد قيام مجموعة مدنيّة ما بعمل تطوعي لتنظيف شارع في مدينة، يعادل ما هو أكثر من جريمة إتجار بالمخدرات بنظر السلطة الحاكمة، وسيَلقى أصحاب هذه المبادرة عقوبات تصل إلى حد الاختفاء القسري لمن خطط ونفذ هذه الجريمة الخطيرة “تنظيف شارع”.
وعلى مستوى الدولة، سيطر حكم البعث على سورية لمدة استمرت أربعة وخمسين عاماً استطاع خلالها أن ينشئ دولتين لا دولة واحدة: الأولى ظاهرة معترف بها دولياً ووصلت إلى الحد الذي تمكنت به من لعب دور إقليمي في العديد من ملفات الشرق الأوسط. أما الدولة الثانية فمخفية وسرية ومافياوية نواتها السجون والمئات من الأفرع الأمنية التي تنتشر في البلاد طولاً وعرضاً وهي تمتهن التعذيب الذي بلغ ذروته مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011. وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً من الثورة السورية لم يتوانى النظام عن استخدام أبشع الوسائل لقمع المتظاهرين ضده، وقد توج عدوانه على الشعب باستخدام السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة التي راح ضحيتها مئات الآلاف وجلهم كانوا من الأطفال، ناهيك عن تدمير الحواضر السورية. وأنه لمن الصعب تصور ما هو أكثر بشاعة في أن كل هذه الجرائم كانت تجري في القرن الواحد والعشرين بينما لم يحرك العالم أمامها ساكناً، حتى أن العديد من المفكرين أطلقوا على الثورة السورية لقب الثورة اليتيمة. بل أننا وقبل سقوط حكم الأسد بقليل بتنا أمام مشهد يُظهر استسلام دول العالم للأمر الواقع وقبول فكرة أن الأسد الذي تسبب بمليون قتيل واثني عشر مليون مهجر ومئات الآلاف من المغيبين قسراً في سجون الجحيم، والذي حول سوريا إلى مصنع مخدرات يصدر الموت إلى جميع البلدان، بتنا مع هذا كله أمام عالم يتعامل مع الأسد على أنه جزء من الحل السياسي القادم لسوريا.
إن على جميع محبي السلام في العالم أن يبتهجوا بسقوط طاغية مثل بشار الأسد والذي لا يختلف كثيراً عن مستبدين تخلص العالم منهم، مثل معمر القذافي في ليبيا، وبيونشيه في تشيلي وهتلر في ألمانيا بل وأبعد من ذلك نيرون وكاليجولا أيضاً، مع يقيني أن بشار الأسد هو أسوأهم على الاطلاق بالمقارنة مع العصر الذي نعيش فيه. وليس ضرباً من المبالغة إن قلت إن كل التوحش الاسرائيلي على مدى خمسة عشر شهرا في غزة والذي لم يسبق له مثيل في تاريخ التحرر الفلسطيني كان عرابه الأساسي هو الوحشية التي مارسها الأسد في سوريا ضد الحجر والبشر، ولست هنا بصدد ذكر الاحصاءات عن أعداد المشافي والمدارس التي دمرها الأسد بالمئات وكذلك المدن التي حاصرها حتى أمات أهلها جوعاً ومرضاً.
السوريون اليوم يودعون الجحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ولقد فعلوا ذلك بأنفسهم، بخيام نزوحهم بغربتهم بصبرهم الطويل والمر بآلامهم المستمرة في السجون وأخيراً بسواعد مقاتليهم. فقد كان لا بد من استئصال هذا الكابوس الذي جثم على لياليهم. رحل النظام الطاغية بعد أن ترك تركة ثقيلة من الألم والتشوه النفسي والاجتماعي الذي سيحتاج وقتاً طويلاً قبل أن يتم انتزاعه من صدور الناس، وسوريا في هذه اللحظة تحتاج إلى جميع الجهود الدولية لتحقيق العدالة الانتقالية التي بدأت معالمها تتشكل يوماً بعد يوم.
إننا نطلق نحو سوريا الجديدة بتفاؤل الإرداة وتشاؤم العقل كما يقول الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي، تفاؤل الإرادة التي ترنو إلى دولة ديمقراطية حرة من دون عسف وقمع واحتقار لكرامة الانسان والتي تتطلع إلى الحرية بكل المعاني، حرية الفرد والتحرر من الاحتلال. أما تشاؤم العقل فهو التخوف من إعادة انتاج الاستبداد بأشكال أخرى، ولكن ما زال الوقت مبكراً للحديث عن ذلك.. لننتظر ونرى.
Ahmad Azzam • 2025-03-08 Ahmed Azzam är en syrisk-palestinsk författare som bor i Sverige och var fristadsförfattare i Göteborg 2020-2022.
Ahmad Azzam • 2025-03-08
Efter Assads fall ser den syrisk-palestinska författaren Ahmad Azzam tillbaka på sitt land och 54 år av förtryck med viljans optimism och förnuftets pessimism.
Läs mer →
Simon Lindblom • 2025-02-25
Under sin uppväxt lär han sig att skämmas för alla sina språk, och saknar medel att bearbeta sina känslor. Som vuxen börjar Simon Lindblom minnas, och kan se sin uppväxt i ett större sammanhang.
Läs mer →
Rizah Sheqiri • 2025-02-07
I en debattartikel för Lyktan undrar poeten och läraren Rizah Sheqiri vem som, medvetet eller omedvetet, för samhället in i mörka tider genom att skära i utbildningen?
Läs mer →
بعد سقوط الأسد، ينظر الكاتب السوري الفلسطيني أحمد عزام إلى بلاده بعد 54 عاماً من القمع بتفاؤل الإرادة وتشاؤم العقل.
هل يوجد تعبير عن الكراهية أكثر وضوحاً من التعذيب؟ وهل يوجد أسلوب أكثر فعالية لترسيخ الخوف والذعر أكثر من التعذيب؟ وهل هناك وسيلة لجعل الناس يفكرون بطريقة محددة سوى التعذيب؟
لقد استطاعت دولة البعث الأسدية أن تخلق ما يسميه عالم الاجتماع الالماني “إريك فروم” “ضمير السلطة” داخل المجتمع السوري، هذا الضمير الذي يتفاعل مع كل ما هو استغلالي وخانع وذو نوازع عدوانية وانهزامية داخل الانسان؛ ولقد وظفت الدولة لخدمة هذا الضمير التلسطي مئات السجون والأفرع الأمنية والآلاف من المخبرين لكتابة التقارير الأمنية بحق أي أحد ممن يُتصور أنه ارتكب فعلاً لا يناسب الطريقة الشمولية التي حددتها الدولة للتفكير.وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان مجرد قيام مجموعة مدنيّة ما بعمل تطوعي لتنظيف شارع في مدينة، يعادل ما هو أكثر من جريمة إتجار بالمخدرات بنظر السلطة الحاكمة، وسيَلقى أصحاب هذه المبادرة عقوبات تصل إلى حد الاختفاء القسري لمن خطط ونفذ هذه الجريمة الخطيرة “تنظيف شارع”.
وعلى مستوى الدولة، سيطر حكم البعث على سورية لمدة استمرت أربعة وخمسين عاماً استطاع خلالها أن ينشئ دولتين لا دولة واحدة: الأولى ظاهرة معترف بها دولياً ووصلت إلى الحد الذي تمكنت به من لعب دور إقليمي في العديد من ملفات الشرق الأوسط. أما الدولة الثانية فمخفية وسرية ومافياوية نواتها السجون والمئات من الأفرع الأمنية التي تنتشر في البلاد طولاً وعرضاً وهي تمتهن التعذيب الذي بلغ ذروته مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011. وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً من الثورة السورية لم يتوانى النظام عن استخدام أبشع الوسائل لقمع المتظاهرين ضده، وقد توج عدوانه على الشعب باستخدام السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة التي راح ضحيتها مئات الآلاف وجلهم كانوا من الأطفال، ناهيك عن تدمير الحواضر السورية. وأنه لمن الصعب تصور ما هو أكثر بشاعة في أن كل هذه الجرائم كانت تجري في القرن الواحد والعشرين بينما لم يحرك العالم أمامها ساكناً، حتى أن العديد من المفكرين أطلقوا على الثورة السورية لقب الثورة اليتيمة. بل أننا وقبل سقوط حكم الأسد بقليل بتنا أمام مشهد يُظهر استسلام دول العالم للأمر الواقع وقبول فكرة أن الأسد الذي تسبب بمليون قتيل واثني عشر مليون مهجر ومئات الآلاف من المغيبين قسراً في سجون الجحيم، والذي حول سوريا إلى مصنع مخدرات يصدر الموت إلى جميع البلدان، بتنا مع هذا كله أمام عالم يتعامل مع الأسد على أنه جزء من الحل السياسي القادم لسوريا.
إن على جميع محبي السلام في العالم أن يبتهجوا بسقوط طاغية مثل بشار الأسد والذي لا يختلف كثيراً عن مستبدين تخلص العالم منهم، مثل معمر القذافي في ليبيا، وبيونشيه في تشيلي وهتلر في ألمانيا بل وأبعد من ذلك نيرون وكاليجولا أيضاً، مع يقيني أن بشار الأسد هو أسوأهم على الاطلاق بالمقارنة مع العصر الذي نعيش فيه. وليس ضرباً من المبالغة إن قلت إن كل التوحش الاسرائيلي على مدى خمسة عشر شهرا في غزة والذي لم يسبق له مثيل في تاريخ التحرر الفلسطيني كان عرابه الأساسي هو الوحشية التي مارسها الأسد في سوريا ضد الحجر والبشر، ولست هنا بصدد ذكر الاحصاءات عن أعداد المشافي والمدارس التي دمرها الأسد بالمئات وكذلك المدن التي حاصرها حتى أمات أهلها جوعاً ومرضاً.
السوريون اليوم يودعون الجحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ولقد فعلوا ذلك بأنفسهم، بخيام نزوحهم بغربتهم بصبرهم الطويل والمر بآلامهم المستمرة في السجون وأخيراً بسواعد مقاتليهم. فقد كان لا بد من استئصال هذا الكابوس الذي جثم على لياليهم. رحل النظام الطاغية بعد أن ترك تركة ثقيلة من الألم والتشوه النفسي والاجتماعي الذي سيحتاج وقتاً طويلاً قبل أن يتم انتزاعه من صدور الناس، وسوريا في هذه اللحظة تحتاج إلى جميع الجهود الدولية لتحقيق العدالة الانتقالية التي بدأت معالمها تتشكل يوماً بعد يوم.
إننا نطلق نحو سوريا الجديدة بتفاؤل الإرداة وتشاؤم العقل كما يقول الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي، تفاؤل الإرادة التي ترنو إلى دولة ديمقراطية حرة من دون عسف وقمع واحتقار لكرامة الانسان والتي تتطلع إلى الحرية بكل المعاني، حرية الفرد والتحرر من الاحتلال. أما تشاؤم العقل فهو التخوف من إعادة انتاج الاستبداد بأشكال أخرى، ولكن ما زال الوقت مبكراً للحديث عن ذلك.. لننتظر ونرى.
Ahmad Azzam • 2025-03-08 Ahmed Azzam är en syrisk-palestinsk författare som bor i Sverige och var fristadsförfattare i Göteborg 2020-2022.
Ahmad Azzam • 2025-03-08
Efter Assads fall ser den syrisk-palestinska författaren Ahmad Azzam tillbaka på sitt land och 54 år av förtryck med viljans optimism och förnuftets pessimism.
Läs mer →
Simon Lindblom • 2025-02-25
Under sin uppväxt lär han sig att skämmas för alla sina språk, och saknar medel att bearbeta sina känslor. Som vuxen börjar Simon Lindblom minnas, och kan se sin uppväxt i ett större sammanhang.
Läs mer →
Rizah Sheqiri • 2025-02-07
I en debattartikel för Lyktan undrar poeten och läraren Rizah Sheqiri vem som, medvetet eller omedvetet, för samhället in i mörka tider genom att skära i utbildningen?
Läs mer →